لم يتخلَّ يسوع أبدًا عن تلاميذه، لكن ما أن ابتدأت رحلة آلامه حتى خافوا على حياتهم وولّوا هاربين. ونستنتج من هذه الحالة ضعف إيمانهم حين تُركوا بمفردهم، فإنهم بالنهاية وفي أفضل حالاتهم خراف ولّت هاربة عند رؤية الذئب. لقد أُنذروا جميعًا من الخطر القادم، رغم وعودهم بأن يموتوا دفاعًا عن سيّدهم عوضًا عن أن يتخلّوا عنه، ورغم ذلك تملّكهم رعب شديد، وأطلقوا العنان لأرجلهم ليلوذوا بالفرار. وقد يحصل في بداية هذا الصباح، أن أكون قد أعددت نفسي لأتحمّل تجربة لأجل الرب، وأتصوّر أنه بإمكاني أن أظهر إخلاصًا تامًّا، ولكن اسمحوا لي أن أكون غيّورًا، خشية أن يكون لدي نفس القلب الشرير العديم الإيمان، فأتخلّى عن سيدي كما فعل الرسل. إن الوعد بعمل شيء أمر والوفاء به أمر آخر. كان ممكنًا أن يكون فخرًا أبديًّا يشرّف الرسل لو أنهم وقفوا إلى جانب يسوع كما ينبغي، لكنهم تخلّوا عن الشرف، وأصلّي كي لا أكون شبههم! وهل كانوا ليجدوا مكانًا أكثر أمانًا من البقاء قرب سيّدهم، ألم يكن قادرًا على استدعاء إثني عشر جيشًا من الملائكة؟ لقد هربوا وتخلّوا عن مكانهم الآمن الحقيقي. يا الله، دعني الّا أكون غبيًا أنا أيضًا. فالعناية الإلهية قادرة على جعل الجبان شجاعًا. ويمكن للكتّان المدخن أن يتحوّل إلى نار متوهّجة على المذبح عندما يشاء الله. هؤلاء الرسل بالذات الذين كانوا جبناء كالأرانب، أصبحوا شجعانًا كالأسود بعدما حلّ عليهم الروح القدس، وهكذا أيضًا يستطيع الروح أن يحوّل روحي الخائنة، إلى روح معترفة بالرب وشاهدة على حقّه.
يا لمعاناة المخلّص عندما تحقّق من قلّة إيمان أصدقائه الرسل. كان هذا شرابًا مرًّا في كأسه، التي أصبحت فارغة، دعني ألّا أزيد قطرات المرارة على هذه الكأس. وإن تركت ربي فسأصلبه ثانية، وأعرّضه لمهانة لا حدود لها. احفظني أيها الروح المبارك من خاتمة مشينة كهذه.