قليلون هم الذين شاركوا آلام جثسيماني. إذ أن أكثرية التلاميذ لم يكن ناضجًا ما يكفي في النعمة بعد، لسبر أغوار «آلام الصليب» لأنهم منشغلون للتحضير لعيد الفصح في بيوتهم، شأنهم شأن كثيرين غيرهم ممن كانوا متمسّكين للعيش حسب الكتب، ولكنهم كانوا أطفالًا حسب روح الإنجيل. للإثني عشر، الذين أعطي لهم الإمتياز للأحد عشر تلميذًا أن يدخلوا جثسيماني وليعاينوا «المشهد الجليل». ومن الأحد عشر طُلب من ثمانية تلاميذ منهم البقاء بعيدًا، كونهم لم يتمتعوا بما يكفي من الشركة الحميمة معه، وحيث لن يُسمح بالدّخول إلّا للمحبوبين جدًا. فقد سُمِح لثلاثة من المقرّبين أن يقتربوا ويعاينوا الحجاب الذي كان يخفي حزن الرب الغامض. ولكن لم يُسمح لهم بالكشف عنه، بل كان عليهم أن يبقوا على مسافة رمية حجر. وترتّب عليه أن يبقى وحيدًا، ليدوس بمفرده معصرة الخمر هنا يرمز بطرس وابنا زبدي إلى قلّة من المجرّبين المرموقين من القدّيسين، الذين يمكن أن يُقال عنهم «الآباء» لأنهم عايشوا اختبارات المياه الهائجة، وبمقدورهم إلى حدّ ما، مواجهة أمواج المحيط الأطلسي العاتية لآلام مخلّصهم. لقد أُعطي لبعض المختارين، من أجل خير مصلحتهم، وتزويدهم بالقوة اللازمة مستقبلًا، لمواجهة أخطار فريدة وهائلة، أُعطي لهم امتياز الدخول إلى قدس الأقداس، وسماع تضرّعات رئيس الكهنة، أُعطي لهم امتياز مشاركته في آلامه، وتهيئتهم لتقبّل موته. بيد أنه لم يُسمح حتى لهؤلاء اقتحام الأماكن المخفّية لمحنة المخلّص، «آلامك المجهولة» هي العبارة المميّزة وفق الطقس الديني اليوناني، كان لمخلّصنا غرفة داخلية يختزن بها آلامه، وبعيدة المنال عن فهم الإنسان وشركته. وتُرك فيها وحيدًا. وهكذا أصبح يسوع أكثر من أي وقت مضى، «الهديّة التي لا توصف!»