كيف صلى المسيح؟

الصلاة هي وسيلة الاتصال بين الإنسان والله، وهي من أسمى العبادات التي تعكس العلاقة الروحية العميقة بين المؤمن وخالقه. في هذا السياق، يطرح البعض تساؤلًا حول ما إذا كان عيسى المسيح (يسوع) كان يصلي بنفس الطريقة التي يصلي بها المسلمون اليوم، أي وفق الأركان والهيئة الإسلامية المعروفة. للإجابة على هذا التساؤل، يجب الرجوع إلى ما ورد في الكتاب المقدس حول كيفية صلاة يسوع ونقارنها بالصلاة في الإسلام.

هل كان يسوع يصلي كما يصلي المسلمون؟

عندما يفكر المسلمون في المسيح، غالبًا ما يفترضون أنه كان يتبع نفس التقاليد التي يتبعونها اليوم. من المهم أن نتذكر أن المسيح كان رجلًا يهوديًا وكان على الأرض قبل 600 عام تقريبًا من بداية الإسلام. لدينا تعاليم المسيح المباشرة حول موضوع الصلاة محفوظة لنا في الكتاب المقدس. دعونا نلقي نظرة على ما علّمه يسوع عن الصلاة وكيف كان يصلي بنفسه.

”الصلاة الربانية“ مع كلمات الأغاني

تعليم المسيح عن الصلاة

وَعِنْدَمَا تُصَلُّونَ، لَا تَكُونُوا مِثْلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا وَاقِفِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ لِيَرَاهُمُ النَّاسُ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تُصَلِّي، فَادْخُلْ غُرْفَتَكَ، وَأَغْلِقِ الْبَابَ عَلَيْكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ. وَعِنْدَمَا تُصَلُّونَ، لَا تُكَرِّرُوا كَلاماً فَارِغاً كَمَا يَفْعَلُ الْوَثَنِيُّونَ، ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّهُ بِالإِكْثَارِ مِنَ الْكَلامِ، يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. – إنجيل متى 6:5-8

في هذا المقطع، يقدم يسوع توجيهات واضحة حول كيفية الصلاة التي ترضي الله. يحذر من الصلاة بغرض الظهور أمام الآخرين، كما كان يفعل بعض القادة الدينيين في زمانه الذين كانوا يصلون علنًا ليحصلوا على مديح الناس. بدلاً من ذلك، يدعو يسوع إلى الصلاة في الخفاء، حيث يكون التركيز على العلاقة القلبية مع الله وليس على الشكل الخارجي للصلاة.

كما يوصي يسوع بعدم استخدام التكرار الباطل في الصلاة، وهو الأمر الذي كان شائعًا بين بعض الأمم الوثنية الذين كانوا يعتقدون أن كثرة الكلمات تضمن استجابة الله. لكن يسوع يعلم أن الله يعلم احتياجات الإنسان حتى قبل أن يطلبها، مما يعني أن الصلاة ليست مجرد ترديد لعبارات معينة، بل يجب أن تكون صادرة من القلب بتواضع وإيمان.

هذا التعليم يختلف عن الصلاة الإسلامية التي تتبع نمطًا محددًا من الحركات والأذكار المتكررة. فبينما تعتمد الصلاة في الإسلام على تكرار سور معينة وعدد ثابت من الركعات يوميًا، فإن يسوع يركز على البساطة والصدق في الصلاة، مما يعكس طبيعة العلاقة الشخصية التي يريدها الله مع الإنسان.

الصلاة الربانية

فَصَلُّوا أَنْتُمْ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاةِ: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ! لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ! لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ عَلَى الأَرْضِ كَمَا هِيَ فِي السَّمَاءِ! خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ! وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا! وَلا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ، لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِين. – إنجيل متى 6:9-13

في هذا المقطع، يعلم يسوع تلاميذه الصلاة النموذجية التي تُعرف باسم “صلاة الأبانا”. هذه الصلاة ليست مجرد صيغة محفوظة يجب تكرارها، بل تقدم نموذجًا لما يجب أن تتضمنه الصلاة الحقيقية. تبدأ بتحية الله بصفته الأب السماوي، مما يؤكد العلاقة الشخصية بين المؤمن والله. ثم تركز على مشيئة الله وسلطانه، وليس على الاحتياجات الشخصية فقط.

تحتوي هذه الصلاة أيضًا على طلبات جوهرية مثل الاحتياجات اليومية (“أعطنا خبزنا كفاف يومنا”)، وطلب المغفرة، والاعتراف بضرورة مسامحة الآخرين، مما يعكس أهمية العلاقة الروحية وليس مجرد أداء طقوس شكلية. كما تشمل الصلاة التوسل بالحماية من التجربة والشر، مما يبرز الاعتماد الكامل على الله في الحياة اليومية.

على النقيض من ذلك، تعتمد الصلاة في الإسلام على تلاوة آيات محددة من القرآن وفق ترتيب معين لا يتغير، وتتطلب أداء حركات جسدية محددة. أما تعليم يسوع عن الصلاة، فهو يشجع على العفوية والصلة الشخصية العميقة بالله، بدلاً من الالتزام بشكل أو نمط ثابت.

الفرق بين صلاة المسيح والصلاة الإسلامية

في الإسلام، الصلاة فرض يومي يتم تأديته خمس مرات بأسلوب محدد يشمل الركوع والسجود وتلاوة سور معينة من القرآن. أما صلاة المسيح فكانت غير مقيدة بعدد معين أو بوقت محدد، بل كانت نابعة من علاقة حرة ومباشرة بينه وبين الله.

  1. حرية الشكل والمضمون: لم يلتزم المسيح بأوضاع أو ألفاظ محددة في صلاته، بل كانت تلقائية تعبر عن حالته القلبية.
  2. العلاقة البنوية مع الله: كان يسوع يخاطب الله كأبٍ قريب، وليس كإله بعيد يحتاج إلى طقوس دقيقة للتواصل معه.
  3. عدم التقيد بأوقات ثابتة: في حين أن المسلمين يؤدون الصلوات في أوقات محددة، صلى يسوع في أماكن وظروف مختلفة، ليلاً ونهارًا، في أوقات الفرح والحزن.
  4. الصلاة الجماعية والفردية: لم تكن صلوات يسوع قائمة على التجمعات المنظمة خمس مرات يوميًا كما في الإسلام، بل كان يصلي وحده أو مع تلاميذه حسب الحاجة.

هل علَّم يسوع أتباعه صلاة محددة يجب تكرارها يوميًا؟

أعطى يسوع “صلاة الأبانا” كنموذج للصلاة، لكنها لم تكن فرضًا يوميًا أو ذات نمط إلزامي، بل كانت تعليمًا عن كيفية الصلاة بروح صادقة وخاشعة.

هل تتشابه صلاة يسوع مع صلاة اليهود في عصره؟

نعم، لكنها تميزت بعلاقة بنوية فريدة مع الله الآب، حيث كان يخاطبه بألفة ومحبة، وليس فقط من خلال طقوس تقليدية.

هل كان يسوع يسجد في صلاته كما يفعل المسلمون؟

في بعض الأحيان. كانت هناك أوقات سجد فيها يسوع للصلاة وأوقات لم يسجد فيها. علّم يسوع أن الصلاة يجب أن تكون من القلب ويمكن القيام بها في أي وقت وفي أي وضع جسدي. أهم شيء عند الصلاة، وفقًا لتعاليم المسيح، هو موقف قلبك. علّمنا المسيح أن نكون متواضعين عند الصلاة وأن نخاطب الله كأبنا السماوي.

لماذا لم يحدد يسوع أوقاتًا ثابتة للصلاة كما في الإسلام؟

لأن الصلاة في تعاليم المسيح تعبير عن علاقة شخصية مع الله، وليست مجرد التزام زمني يجب أداؤه وفق جدول محدد.

هل يصلي المسيحيون كما صلى المسيح؟

بالطبع، والمسيحية تشجع على الصلاة بحرية، سواءً كان ذلك بالسجود، أو الوقوف، أو الجلوس، طالما أن الصلاة تأتي من قلب صادق ومتواضع أمام الله.

خاتمة

من خلال ما سبق، يتضح أن يسوع لم يكن يصلي كما يصلي المسلمون اليوم، بل كانت صلاته تعبيرًا حرًا عن علاقة روحية فريدة مع الله الآب. الصلاة الحقيقية ليست مجرد التزام شكلي، بل هي تواصل مباشر مع الله بقلب صادق وخضوع لمشيئته. دعوة يسوع لأتباعه كانت أن يصلوا بهذه الروح، مقدمين قلوبهم قبل أن يقدموا طقوسًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top